أضواء كاشفة .. الحلقة السابعة والخمسين

 


 كتبت - زهره مصطفى 

لكل فن طابع .. ولكل طابع مذاق وذوق .. الفن الشعبى من الفنون التى تكتسب شعبيه كبيرة لكونه حديث اجتماعى عن بعض فئات الشعب فهو سرعان ما يجذب الانتباه . فن الواو واحد من هذه الفنون كشف عنه دراسة وافيه للشاعر والباحث / عبد الستار سليم 


                         ماذا تعرف عن 

                  " فن الواو"  

                     ………


 النميم هو شعر شعبى قالبه المربع الذى تتفق قوافى شطراته الأربع ، ويقول د/ جمال محمد وهبى  الذى قام بجمع هذا اللون  الأدبى وتحليله ، فى كتاب  تحت عنوان (فن النميم .  . فى محافظة أسوان ) ،هذا الفن ينتشر فى محافظات جنوب مصر ، وبخاصة فى محافظتى  أسوان والبحر الأحمر ( وفى قبيلتىْ العبابدة والبشارية بمنطقة " دراو " ) ، حيث ملاءمة الظروف لنشوء هذا الإبداع …

ويضيف جمال وهبة أن الوزن الشعرى لمقطع النميم ينطبق على وزن فن "الحاردلّو " - وهو شعر شعبى سودانى - .. والوزن رجز عربى صميم ، يختلط أحيانا بوزن الكامل ، ويتخلل إلقاء "القولة " - أى مقطع النميم - سكتتان فى كل شطر ، الأولى طويلة (…) والثانية قصرة( . . ) ، 

ونحن هنا لا تهمنا طريقة الأداء فى إلقاء " قولة" النميم ( محفل القوالة أو السامر يسمونه  "جَـرّ النميم " ) وفى السامر يردد الحضور عددًا من المصطلحات الفنية المتداولة ، والتى لها مدلول راسخ لدى شعرائه ومتلقيه سواء بسواء ، ومن أهم هذه المصطلحات 

(حَبَابَك عشرة ، حيّاك ، أبشِر، عَرِّج ، الدور ، القولة ، جر النميم ، سلامتك ، يرفع الخانة … الخ ) 

وهذا الفن تناول أغراضا شعرية متنوعة المضامين ، ونسوق بعض النصوص من فن النميم ( مع مراعاة أن إشباع الضمّة يكتونه واوًا، وإشباع الفتحة يكتبونه ألِفًا)   :

وحْلِفْت بمن ذكر … فِ كْتابُه سورة .. عَمّا

وصابر ع اللى بِيّا … وليكم باجُرّ .. النّمّا

ونختم بالرسول ….  والنور يكون ..   عَمّا

نستأذن نقوم …و بَرْضو إنْ قِسِم .. نِتْـلَمّا

***

باقول للى منّه … كل المغرمين ..  يتلاهو 

بعد يومانموت… كل زو لِن يحاسبو.. إلاهو

والعاشق بكَى … و بْدمْع   العين ..  بلّاهو

خَدّ ُه بيضْوِى … لتايه   الطريق ..  دَلاّهو

***

لو خَطَرَت …   يباريها   الأمين. ..  جِبْرين 

لو    جلسَت …. يسلّيها   العنب ..  والتين 

لو نطقت معاك … يطْرَا   الحديد ..   ويْلين 

ولو قَلّت عنيها…لْفُوق يخفَى القمر.. ما يبين 

****

أنا جانى الباشْ حَكيم … وقلب الجراح..  بالريشَا

ولقِى   غِيّ   البنات …. مَلَك  الفؤاد ..     والفيشَا

بَصّ فى حالتى  قال لى … يا ابنى ماليك .. عيشَا

إلّا  دواك   فى  الوَزّ….   اللى سُكونُه ..   الهيشَا

***

ليه    من  غير  سبب …   محبوبنا ..  يْعادينَا

بعد    ما بنيت   فى قلبى ….  للمحبّا..  مدينَا 

فارَق    ليه     مُدَد… وبْقينا    وَحْدِينا .. أدينَا 

حتى الضيف رحَل … شاف وادى .. غير وادينَا

***** 

إذا كان قول " فن الواو " - فى صعيد مصر - غير قاصرعلى الرجال فقط ، إذ أن التاريخ يقول لنا إن النساء أيضا كان لهنّ باع فى قول هذا الفن ، إلا أنّ فن العدودة - فى صعيد مصر - اقتصر قوله على النسوة فقط ، إذ أنه يعتبر فنّا نسائيا بَحْتا ، لا يقوله الرجال ، لأنه مرتبط بالبكاء والولولة  والنواح على الميّت ، والرجال فى صعيد مصر كانوا يعدّون البكاء  وإظهار الجزع والحزن ، لا يليق بالرجال ، وهذه عادة عربية قديمة ، توارثها الصعيد ، مثلما توارث الرثاء أيضا، فكانت بكائيات تماضر بنت الشريد - الشهيرة بالخنساء - فى رثاء أخيها صخر وأخيها معاوية وأبنائها الأربعة الذين استشهدوا  معاً فى معركة واحدة ، فلقد كانت الخنساء بأشعارها الرثائية التى غلب صيتها وتغلب  على كثيرمن أسماء شعراء وشواعر كبار فى العصر الجاهلى ، فهى التى تقول :

تبكى خُناسُ على صَخْرٍ   وحُقّ  لها

إذْ رابَها  الدهرُ  إنّ   الدهرَ   ضَرّارُ  

وإنّ صخرًا  لمَوْلانا  و  سَيّدُنا 

وإنّ صخراً إذا نَشْتُوا   لنَحّارُ

وإنّ صخرا ً لتَأْ تَـمّ الهُداةُ  به

 كأنه  علَمٌ   فى   رأسِه    نارُ

***

وكان صعيد مصر ، حاضنة كبرى للمراثى الشعبية ، أو الطْوَاح ، أو العَدِيد ، أو العِدّيد ، أو التعديد ، الذى كان يصحبه بعض التصرفات الغريبة ، كحَثْو التراب أو الرماد ، ووضع الطين على الرأس والثياب ، وكذلك الندْب - على عادة العرب الجاهليين - تقول المربعات التراثية  

مع   السلامة  يا راس/  يا ابو عِمّة زايد حلاها 

دا كاس داير على الناس / قدّامك  البدر   طه

***

يا بِتّ شيلى عا القفا طين/ ومن الكوم شيلى رمادى

قطعت  لِبْس  القفاطين  / من بعد سَبْع  الرمادى

***

ويأتى دور العدّودَة - المصاغة على قالب المربع أيضا - التى تصوّراللحظة التى ألقى المريض فيها رأسه على الوسادة ، ليُسلِم الروح ، تقول :

يا سِيدى لمّا مال ورّانى/ حَدَف العِميمة ما لفّها تانى 

ياسِيدى لمّا مال ما اتكلّم/ حدف العِميمة ما عاد يتعَمّم

*****

                                                  ( يتبع 👈)

                 الشاعر / عبد الستار سليم 

                  ناقد وباحث فى التراث 



          متابعة الشاعرة  / همت مصطفى 

   المستشار الاعلامى للشاعر عبد الستار سليم 

تعليقات

المشاركات الشائعة