دوريه الشرف

 



كتب - جمال النجار 

حدث فى أكتوبر 1973 ( 12 )

  دوريه الشرف ملازم / السيد محمد جمال الدين ورجاله

قليلة في العالم هي الجيوش التي تستطيع أن تفعل ما فعله الجيش المصري بعد ستة أعوام فقط من الهزيمة

ولكن لا أحد في العالم غير المصريين يستطيع أن يفعل ما فعله رجال دورية الشرف 

 ( هذه الكلمات إهداء وتحيه إلى الرجال الذين لم يكرمهم احد ولا يعرفهم احد ولا يشعر بهم احد إلا الله وهذا يكفيهم )

إذا كان رجال القوات المسلحة فى العالم كله يفتخرون بارتداء الزي العسكري وبانتمائهم إلى القوات المسلحة . فهناك رجال يفتخر بهم الزي العسكري وتفتخر القوات المسلحة بانتمائهم إليها 

إنهم رجال أضاءوا أنفسهم شموعا تحترق لتنير لأوطانهم الطريق 

من هؤلاء الرجال وعلى رأسهم ياتى رجال الصاعقة المصريين أبطال دورية الشرف بقيادة 

الملازم / السيد محمد جمال الدين

من قوة الكتيبة 153 صاعقة من المجموعة 128 صاعقة \' احتياطي القيادة العامة المصرية أثناء معارك أكتوبر 1973\'

فإلى هؤلاء الرجال الذين صدق فيهم قول المولى عز وجل \' من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا \' صدق الله العظيم

والى الباحثين عن مثل أعلى وقدوة يقتدون بها

إلى هؤلاء جميعا

أقول

بنهاية معركة الخامس من يونيو 1967 لم تفقد مصر صحراء سيناء فقط. ولكنها فقدت معها سمعتها العسكرية . 

وأهين الشرف العسكرى المصرى بعد أن دنست أقدام الإسرائيليين مياه قناة السويس. 

وقالت الدعاية الصهيونية أن الإنسان المصرى غير مقاتل وانه مجرد فلاح جاهل وان هناك فجوة كبيرة بين الإنسان المصرى والمقاتل الإسرائيلي السوبرمان الذي لا يقهر وهكذا تناست الدعاية الصهيونية الخبيثة أن الجيش المصري هو أول جيش نظامي عرفه التاريخ وان تحتمس هو الأب الروحي الأول للمخططين الاستراتيجيين فى العالم وان أحمس هو بطل أبطال التحرير على مدار التاريخ وانه لولا تحالف الدول الأوروبية ضد الجيش المصري بقيادة إبراهيم باشا فى موقعة نفارين لتغير مسار التاريخ

ولكن من يتذكر كل هذا

إن بشاعة هزيمة الخامس من يونيو 1967 أسدلت الستار على كل ما هو عظيم وجميل وأتاح لآلة الدعاية الصهيونية انسب الظروف لتشيد بعظمة وعبقرية وقوة المقاتل الإسرائيلي السوبرمان الذي لا يقهر 

وجاء السادس من أكتوبر 

واثبت المخطط المصري انه لا يقل عن نظيرة الإسرائيلي بل يتفوق عليه

واثبت المقاتل المصري انه مقاتل شرس ومثقف وقادر على استيعاب احدث الأسلحة

وسقطت خرافة الفجوة التكنولوجية بين الإنسان المصري والإسرائيلي واستردت مصر شرفها العسكري وارتفعت راياتها عالية على ضفتي قناة السويس 

قليلة في العالم هي الجيوش التي تستطيع أن تفعل ما فعله الجيش المصري بعد ستة أعوام فقط من الهزيمة

ولكن لا أحد في العالم غير المصريين يستطيع أن يفعل ما فعله رجال دورية الشرف 

إنهم رجال قدموا الروح والدم واثبتوا للعالم اجمع أن الإنسان المصري ليس مقاتلا فحسب ولكنه مقاتل فوق العادة 

وصدق فيهم قول رسول الله \' ..إنهم خير أجناد الأرض ..

كان الرجال يعرفون أنها رحلة ذات اتجاه واحد

مصر سيناء الجنة

وتسارعوا إليها وتمت محاولة لأبرارهم باللنشات

 ( الزودياك ) مساء يوم 6 أكتوبر 1973 ولكن تصدت لهم الطائرات والزوارق الإسرائيلية وكانت معركة استغرقت الليل بطوله وخرج الرجال من الماء صباح يوم 7 أكتوبر ورفضوا الراحة وصمموا على العبور

وهكذا أقلعت الطائرات الهليكوبتر من منطقة الزعفرانة بالبحر الأحمر إلى منطقة رأس ملعب بجنوب سيناء مساء يوم 7 أكتوبر تحمل 18 مقاتل من رجال الصاعقة المصريين ( ولاد الناس الغلابة العاديين البسطاء الطيبين )

بقيادة ضابط صغير ملازم / السيد محمد جمال الدين

 ( ضابط مصري صغير لم يمضى على تخرجه من الكلية الحربية سوى عدة أشهر ابيض ووسيم وحياء العذارى فى وجهه مستكين لكن قلبه زى الحديد وعنيد اسكندرانى شهم وجدع وشديد معلش أنا شفته كده وعرفته كده  وكان لازم اكتبه كده لان السيد محمد جمال الدين ما ينكتبش غير كده ) 

وكانت أول معركة لهم فى مساء نفس اليوم  7 أكتوبر حيث تم عمل كمين على طريق الشط الطور 

وبعد منتصف الليل حضرت 2 عربة مدرعة و2 عربة جيب اسرائيلى وتم تدمير 2 عربة المدرعة وتدمير عربة جيب وفرت الأخرى 

وكان ظهور الصاعقة المصريين فى جنوب سيناء مفاجأة كبرى أربكت قياده العدو الاسرائيلى

 كم عدد رجال الصاعقة المصريين فى جنوب سيناء  ؟؟

وما هدفهم ؟؟

وأين يذهبون هل سيتجهون لاقتحام الحدود فى اتجاه ميناء ايلات الاسرائيلى ؟؟ 

ومن أين يحصلون على الإمدادات ( الطعام والماء والذخيرة )؟؟

اسئله أربكت القيادة الاسرائيليه فى توقيت صعب جدا لهم 

وجاء الطيران الاسرائيلى وقام بقصف المنطقة 

ولكن الرجال كانوا قد غادروها سيرا على الأقدام لمسافة 40 أربعين كيلو متر حيث وصلوا وادى ( أبو جعدة) واستقبلتهم قبيلة ( العليقات) البدوية  وقدمت لهم وجبة من المكرونة المسلوقة  كانت هى الوجبة الوحيدة التى تناولوها طوال الدورية 

وفى مساء اليوم نفسه 8 أكتوبر نفذت الدورية كمين آخر ودمرت عربة جيب وعربة نصف جنزير اسرائيلى ولم تحدث اى خسائر للرجال 

وفى التاسع من أكتوبر يعلم البطل الملازم / السيد جمال الدين 

انه تم إلغاء مهمة اللواء الأول المشاة الميكانيكى والذى كان مكلفا بالوصول إلى رأس سدر بجنوب سيناء والذى دفعت الدورية لتامين وصوله إلى رأس سدر

وتم إلغاء المهمة نتيجة الخسائر التى ألحقها الطيران الاسرائيلى باللواء الأول بمجرد خروجه من تحت حماية شبكه الدفاع الجوى المصرية

وبالتالى انتهت مهمة الدورية بجنوب سيناء

وقرر قائدهم العملاق (الملازم/السيد جمال الدين ) ضرورة العودة لصفوف القوات المصرية لتنفيذ اى مهام أخرى تطلب منهم وبدأت الرحلة سيرا على الأقدام للوصول إلى القوات المصرية التى كانت تقاتل فى الشمال داخل سيناء 

وكالعادة بدأ الطيران الاسرائيلى يبحث عن الرجال ويطاردهم للقضاء عليهم بعد أن أثار ظهورهم القلق فى تل أبيب عن نوايا مصر وهل تنوى اقتحام جنوب سيناء للسيطرة على منابع البترول أم تنوى دفع قوات الصاعقة لمهاجمه جنوب إسرائيل 

واستمرت المطاردة لمدة ثمانية أيام حيث هاجمتهم الطائرات الهليكوبتر الاسرائيليه  واستشهد ثلاثة أفراد وأصيب خمسة طلبوا من قائدهم أن يتركهم حتى لا يعيقوا سير الدورية وكانت لكل منهم قصة أسطورية بعد ذلك وتمكن احدهم من القضاء على فصيلة مظلات اسرائيلى وحده وأسمته الصحافة العالمية أسد سيناء بعد أن أذاع قصته ضابط اسرائيلى أثناء حفل دبلوماسي فى ألمانيا الغربية سنة 1998

وتحركت الدورية حتى وصلت جبل سومار واشتبكت مع وحدة إسرائيلية ودمرت دبابتين وطائرة هليكوبتر بمقذوف مضاد للدبابات أثناء وجودها على الأرض وهو حادث نادر وعبقرى فى طرافته فى تاريخ الحروب أن يتم تدمير طائره هليكوبتر بمقذوف مضاد للدبابات حيث أصيب ضابط صف من الرجال وطلب من السيد جمال الدين تركه 

وتحركت الدورية ولكن الدبابات الاسرائيليه كانت قد وصلت وحاصرت المكان وبدا الرجال فى الاشتباك معها وجاءت طائره هليكوبتر إسرائيليه وهبطت عل الأرض بعيد عن مكان الاشتباك لينزل منها طقم المدافع الهاون الاسرائيليه بمدافعهم للمشاركة فى القضاء على رجال الصاعقة المصريين وإذا بضابط الصف المصاب يجد الطائرة الاسرائيليه بجانبه وكان السيد جمال الدين قد تركه ومعه قاذف صاروخى مضاد للدبابات ( أر بى جى ) وطلقه واحده هى ما بقى معه رغم الاصابه قام ضابط الصف بتوجيه القاذف إلى الطائرة وهى تهبط فدمرها وقتل كل من فيها 

ثم تحركت الدورية ووصلت جبل الراحة بسانت كاترين وطاردهم الطيران الاسرائيلى وقام بحصرهم فى مدخل مضيق سدر وقامت الطائرات القاذفة الإسرائيلية بقذفهم بالقنابل الألف رطل وأصيب عدد من الأفراد من بينهم قائد الدورية ( السيد جمال الدين ) أصيب بشظية فى قدمه ولكنهم استمروا فى التحرك فى اتجاه القوات المصرية رغم إصابة جهاز اللاسلكي وانقطاع اتصالهم بالقيادة ولكنهم كانوا يتابعون أخبار الحرب من راديو صغير يحمله قائد الدورية ويوم 28 أكتوبر عرفوا انه هناك وقف للقتال ولكنهم استمروا فى التحرك وسرى وقف القتال على الجبة المصرية كلها عدا ثلاثة وحدات

دورية الشرف التى نرافقها

وعمالقة مضيق سدر الجبلي 

ورجال الأسطورة فى كبريت رجال إبراهيم عبد التواب آخر الشهداء وأبو الشهداء 

واستمرت مطاردة الطيران للرجال ورغم ذلك وصلوا إلى القوات المصرية فى عيون موسى يوم 8نوفمبر 1973 وتمكن فردين من عبور السلك والالتحاق بالقوات المصرية 

وحدث موقف غريب فقد ظن افرد الحراسة المصريين أن المتقدم فى اتجاههم قوات إسرائيليه فأطلقوا النار عليهم 

فتوقف الرجال عن العبور 

وقامت القوات الإسرائيلية بمحاصرة الآخرين بالدبابات وقذفهم بالطائرات وتم أسرهم صباح 9نوفمبر بعد أن فقدوا الوعى نتيجة الإرهاق وانعدام الطعام والماء 

ثلاثون يوما يتحركون ويقاتلون وكل طعامهم أعشاب الصحراء وتأسفوا كثيرا لان البرد أخفى كل الزواحف والثعابين التى كان يمكن أن تكون وجبة شهية يتناولونها 

ثلاثون يوما بدون ماء وكل ما كانوا يحصلون عليه مجرد قطرات الندى المتكاثفة ليلا على جدران الخوذات الحديدية وكانوا يلحسونها فجرا قبل أن تبخرها أشعة الشمس

وقد فقدوا جميعا القدرة على الكلام اعتبارا من أول نوفمبر بعد أن التصقت ألسنتهم بأفواههم من شدة الجوع والعطش وكانوا يتفاهمون فيما بينهم بالإشارات 

ثلاثون يوما تطاردهم الطائرات والدبابات الإسرائيلية التى تحاول أبادتهم أو إجبارهم على الاستسلام 

ثلاثون يوما يفترشون الأرض ويلتحفون السماء ويتحركون ويقاتلون وينشرون الفزع والرعب فى قلوب الأعداء ويربكون قيادتهم ويتمنون الاستشهاد

انتهت مهمتهم ونجحوا فيها وكانوا حريصين على العودة إلى قيادتهم لتنفيذ اى مهام جديدة يكلفوا بها

وتم إعادة كل أفراد الدورية إلى مصر يوم 11 نوفمبر طبقا لاتفاقية وقف القتال وتبادل الأسرى 

وارتبكت القيادة الإسرائيلية بعد أسرهم 

كيف استطاع هؤلاء المصريون أن يتحركوا كل هذه المسافة بدون اى إمداد ؟؟؟

وكيف استطاعت هذه القوة الصغيرة من الأفراد أن تثير كل هذا الارتباك والفزع والرعب؟؟

إن مقاتلهم السوبرمان الاسرائيلى نفسه لا يستطيع أن يفعل ذلك 

ولكن هؤلاء المصريين فعلوها

ولم يعرف الرجال وقتها أنهم أربكوا القيادة الإسرائيلية على أعلى مستوياتها وان تحركهم طوال هذه الأيام الطويلة قد أثار الفزع فى تل أبيب التى لم تكن تدرك حجم قوتهم ولا الهدف من تواجدهم مما دفعها لاتخاذ قرارات كان لها تأثيرها على مجرى الحرب كلها 

ماذا فعل الرجال

كانت طائرات الاستطلاع الإسرائيلية تصور سيناء كل يوم صباحا أثناء العمليات وترصد الدورية فترسل القيادة الإسرائيلية الطائرات القاذفة لتقصف المنطقة ثم ترسل الدبابات ورجال المظلات للقضاء على باقي الأحياء 

وفى صباح اليوم التالي ترصد طائرات الاستطلاع وجود دورية في مكان آخر ونظرا لبعد المسافة وقوة القصف الجوى الذي تعرضت له المنطقة التي ظهرت فيها القوات المصرية أمس كان لا يمكن أن يتوقع أحد أنهم نفس الرجال 

حتى تصورت القيادة الإسرائيلية أن مصر لها جيش كامل من رجال الصاعقة فى جنوب سيناء 

وهكذا 

أصبح تحرك القوات الإسرائيلية على طرق سيناء الجنوبية عبئا ضخما على أي وحدة إسرائيلية تحسبا لوجود كمين من رجال الصاعقة في أي مكان أو المرور على ألغام يكون رجال الصاعقة قد زرعوها فتميزت هذه التحركات بالبطيء الشديد والحيطة واستنزاف جزء من المجهود الجوى الإسرائيلي لاستطلاع الطريق أمام الوحدات المتحركة

تم نقل جزء من القوات الإسرائيلية من شمال سيناء إلى جنوبها بالطائرات لتدعيم القوات الإسرائيلية لمواجهة هجمات الصاعقة المتوقعة

تم تخصيص جزء كبير من الزوارق الإسرائيلية لتأمين ساحل خليج السويس لمنع الإمدادات عن رجال الصاعقة وتم إضاءة ساحل خليج السويس كله أثناء الليل بواسطة المشاعل التي تلقيها الطائرات لكشف أي محاولة لتسلل القوات المصرية 

تم تخصيص جزء كبير من المجهود الجوى الإسرائيلي لاستطلاع جنوب سيناء ومطاردة رجال الصاعقة 

لجأت القيادة الإسرائيلية إلى إمداد وحداتها بجنوب سيناء بواسطة الزوارق والطائرات مع ما يمثله ذلك من عبء واستنزاف للمجهود الجوى والبحري 

أجبرت عمليات الصاعقة القيادة الإسرائيلية على تخصيص فرقة مدرعة مكونة من 200 مائتين دبابة ولواء مظلات كامل وقفت تجاه جنوب سيناء ولم تشترك في الحرب تحسبا لهجمات الصاعقة التي لا تعرف إسرائيل قوتها ولا اتجاه هجومها التالي خشية أن تندفع إلي جنوب إسرائيل من خلال الممرات الجبلية 

جاء في كتاب التكفير للجنرال حاييم هيرتسوج المتحدث العسكري الإسرائيلي ومدير المخابرات الإسرائيلية الأسبق \' لقد وقعت القوات الإسرائيلية في اكبر خطر يقع فيه الطرف المحارب وذلك عندما أعجب الضباط والجنود من هذه القوات ببسالة وكفاءة المقاتلين المصريين وقد اخذ هذا الإعجاب يتزايد مع تطور عمليات القتال \'

والحق ما شهدت به الأعداء 

تحية إلى الرجال الذين ضحوا بكل شئ من أجلنا ولا يعرفهم احد ولا يشعر بهم احد

بس أمانة اللى يروح أسكندرية ويقابل السيد جمال الدين يبوس لى أيديه وعنيه ويقوله مصر كلها فكراك وفى ننى العين والقلب شيلاك


تعليقات

المشاركات الشائعة