أضواء كاشفة .. الحلقة الخامسة والخمسين
كتبت - زهره مصطفى
قراءة مميزة لدراسة الباحث والشاعر عبد الستار سليم عن فن الواو .
ماذا تعرف عن
" فن الواو"
…………
"القوما " هو قالب قولى اشتُقّ اسمه من قول المسحّراتى فى بغداد - عاصمة الرشيد- " قوماللسحور" ينبّهون به ربّ المنزل ، فانطلق هذا الاسم ، وصار علما على هذا القالب ، الذى يُنسَب إلى " ابن نقطة " الذى توفى وكان له ولد ماهر فى نظم " القوما" والغناء به ، جاء فى أول ليلة من رمضان وغنّى - تحت قصر الخليفة العباسى - بصوت رقيق
( يا سَيّد السادات/ لك فى الكرم عادات
أنا بُنَىّ ابن نقطة/ تعيش .. أبى قد مات)
و كما نرى ، هذه " قولة " أو بيت يتكون من أربعة أقفال (أشطار) تتفق ثلاثة منها فى الوزن والقافية ، أما القفل الرابع فأطول منها ، وتُهمَل قافيته …!
ويقول صفىّ الدين الحِلّى بما تغنّى به المسحّرون
(لا زال سعدك جديد/ دايم وجدك سعيد
ولا برحت مهنّى / بكل صوم و عيد)
والقالب الثانى تتكون المقطوعة منه - والتى تسمى بيتا - من ثلاثة أغصان (أو أقفال) ، تتفق فى القافية ، ولكنها تختلف فى الوزن ، حيث تتدرج فى الطول ، فالقُفل الأول أقصر من الثانى ، والثانى أقصر من الثالث ، ومن هذا القالب ما يُنسب إلى الشاعر العراقى صفىّ الدين الحِلّى الذى يقول :
كُـنّا مالك
دون إخوانك وآلك
سليتنا الله يجعلُه أول سؤالك
***
راموا قتالك
والأذى منهم أتى لك
وما نفع عنا انحرافك وانفتالك
****
ضِدّك رثَى لك
من خضوعك وامتثالك
لمن تجد مثلُه وما يلقَى مثالك
***
وهذه "النظم من تفعيلة بحر الرمَل ( فاعلاتن )
وهو ذلك التجديد فى الأوزان ، الذى عزف على وتره بيرم التونسى فى بعض أزجاله …!
وتعريف البيت الشعرى هو أنه ما استوفى سلسلة السواكن والمتحركات جميعها، أى كل تفعيلاته حسب الدوائر العروضية الخليليلة ، وهو ينقسم إلى قسمين أو مصراعين متساويين من حيث النغم …
أما مشطور البيت ، فهو ما تمّ حذف نصف تفعيلاته …
أما المنهوك ، فهو ما تمّ حذف ثُلُثا تفعيلاته …
وعليه فإن القصيدة التى من المشطور أو المنهوك ، فهى أغصان( أشطار) وليست أبيات ، وهذه الأشطار تكتب عموديا وليس أفقيا …
والوزن الشعرى له معنيان :
أحدهما "وزن البيت" ، وهو سلسلة السواكن والمتحركات
وثانيهما "نموذج البيت" ، فيقال وزن البسيط ، ووزن الكامل ، ووزن المتداك ، وهكذا …!
وأما عناصر الوزن فهى ترتكز على الأسباب والأوتاد والفواصل ، وذلك فى أجزاء محدودة يقال لها التفاعيل ،
والتفاعيل عشر
(فعولن ، فاعلن، مفاعيلن ، مفاعلتن ، فاعلاتن، فاع لاتن، متفاعلن، مستفعلن، مستفع لن، مفعولاتُ)
أما ما يسمى بالمقاطع العروضية، فتجمعها عبارة
(لمْ أرَ علَى ظهْر جَبَلٍ سَمَكَةً ) ولتفصيلها نقول
- مع مراعاة أن التنوين يمثل حرفا ساكنا-
* لم (/٥)حركة وسكون = وتسمى السبب الخفيف ، وعلى وزنه فى الكلمات مثل
قدْ ، كىْ ، لمْ ، منْ ، عنْ ، فى
* أرَ (// ) حركتان = وتسمى السبب الثقيل ، وعلى وزنه فى الكلمات مثل
بِكَ، لكَ ، معَ
* على (//٥) حركتان وسكون = وتسمى الوتد المجموع ،
وعلى وزنه فى الكلمات مثل
سما ، كتبْ ، مضَى
* ظَهْرِ (/٥/) حركة وسكون وحركة = وتسمى بالوتد المفروق ، وعلى وزنه فى الكلمات مثل
جاءَ ، عنْـكَ ، كيْفَ
* جَبَلٍ = جَبَلِنْ (///٥) ثلاث حركات وسكون = وتسمى الفاصلة الصغرَى ، وعلى وزنها فى الكلمات
ذَهَبَتْ ، أكلَا
* سمكةً = سَمَكَـتَنْ (////٥) = وتسمى الفاصلة الكبرى
وعلى وزنها فى الكلمات
ذَهَبَتَا ، عِنَبَة ٌ
*****
يقول كاتب هذه السطور من مربعاته الواوية :
"الواو " مولود حِدَانا / وِ حْدانا عَمّه و خالُه
ولا حَدّ يِحْدِى حِدانا / ولاغيرنا فى القول خالوا
***
(لا تقول لى كانِى ومانِى/ دا "الواو" أصلُه جنوبِى
ليه قول يِومُه بْيومانِى / جا قْناوِى ولاّ جا نوبِى
***
إذا كان أهل الصعيد قد احترفوا- دون غيرهم - قول "فن الواو" ، فى مجالسهم ونواديهم (النوادى هنا يُقصد بيها قعدات المصاطب ، وليس بالمفهوم المعاصر لكلمة النوادى ) وذلك فى سهراتهم الليلية فى المنادر ، وفى المساطيح - المساطيح جمع مسطاح ، ويُقصد به المكان المتسع المكشوف الذى يفرش فيه البلح أى ثمر النخيل بعد جزّ سُباطاته ، وكذلك عيدان الذرة الشامية بعد جَزّها ونقلها من الغيط إلى هذه المساحات الشاسعة المكشوفة تحت الشمس - وخصوصًا شمس الشتاء - تحت أشعة الشمس لتجفيف هذا المحاصيل - وحول الأجران فى ضوء القمر ، وقد ترك لنا التاريخ أسماء الكثير من القوالين الذين اشتهروا بقول هذا الفن ، وهم كُثْر ( مثل على النابى وزوجته ، وحسين زوط ، وحسن عبد الرحيم القفطى ، وأحمد محمد القوصى، وحسن عبد الرحيم الفرشوطى ، وحسين الحكيم ، ، والسّقَلّى ،وتوفيق وهبة ، وعبد الله لهلبها الإسناوى ، وغيرهم .. وكلهم قنائيون أو قناوييون ، أى من أبناء منطقة " قنا" ، فضلاً عن القوال الشهير أحمد بن عروس ، الذى يعتبر ذاكرة الصعيد ، بل وقيل إنه الجد الأكبر لشعر العامية ، وهو الرائد الأشهر لهذا الفن …
فإن هناك من غير الجنوبيين من حاول النظم فى هذا القالب ، من أمثال بيرم التونسى ، والزجال الكبير أبو فراج السكندرى ، وعثمان عبد العزيز عفيفى(أبوشادية ) ، وميلاد واصف ، وأحمد سليمان حجاب - وهو من مواليد "أبو زعبل " - والذى أصدر من خلال " المكتبة الزجلية"
كُتيّبًا بعنوان ( قال ابن عروس )، وهو كتيّب من القطع الصغير ، وعدد صفحاته 64 (أربع وستون صفحة ) بخلاف الغلاف ، وكان ثمنه آنذاك ( 10 عشرة قروش ) ، و كُتب فى ظهر الغلاف الأخير هذه العبارة
"يُطلب من مكتبة الثقافة الشعبية "
وسنورد بعض النماذج من هذهرالمربعات
لهؤلاء الرواد الأوائل …!
*****
(يتبع 👈 )
الشاعر/ عبد الستار سليم
ناقد وباحث فى التراث
متابعة الشاعرة / همت مصطفى
المستشار الاعلامى للشاعر عبد الستار سليم
تعليقات
إرسال تعليق