أضواء كاشفة .. الحلقة الثانية والأربعون

 


كتبت - زهره مصطفى  

قطعنا مشوارا ليس بطويل فى شرح ودراسة فن الواو  وهو فن تراثى شعبى .. وقلما ما نجد من يحدثنا بوفر عن هذا الفن  .. لذا حرصنا على ان نلقى الضوء عليه  لنصل الى معرفة الكثير  عن جمال هذا النوع من الفن  . 


                         ماذا تعرف  

             عن " فن الواو" 

                   ………

استكمالًا لما قلناه فى الحلقة السابقة ، فإن القصيدة الواوية ، لها نفس تركيب الحكاية الشعبية ، مع مراعاة أن القصيدة الواوية تتكون من مربعات مستقلة عن بعضها ،

فكل مربع يطرح فكرة مستقلّة ، وبذا فإن وحدة المربع -عند قوّالى " فن الواو" ، هى مثل وحدة البيت الشعرى عند أجدادهم من شعراء القصيدة التقليدية … ومثلما كانت القصيدة التقليدية تبدأ عادة ً ببيت مصرّع - وهو البيت الشعرى الذى تتشابه قافية شطره الثانى مع قافية شطره الأول ، وقوّالى " فن الواو" ابتعدوا تمامًا عن فكرة التصريع ، ولكنهم ابتدعوا شيئًا مُغايرًا، فى أنهم - فى المربع -  زادوا فى القوافى ، فجعلوا صدور الأبيات مقفّاة معًا ، وأعجاز الأبيات مقفّاة معًا، واختاروا - عن عمد أو مصادفةً - أن يكون مربع " فن الواو" مصاغًا على "بحر المجتث"  الذى لا يأتى إلا مجزوءًا - كما أسلفْنا - واتفقوا على أن القوّال الجيّد هو الذى يحترس من الوقوع فى عيْب  "الإيطاء " - الذى هو كلمتان  متشابهتن لفظًا ومعنًى فى التقْفية - كما يجب ألاّ تكون القوافى  متكلّفة أو مصطنعة ، وعلى القوّال أن يحافظ على موسيقى  القول ، أى عليه أن يلتزم بالبحر الشعرى ، وأن يُحكم القافية فى موضعَيْها ( صدرًا ، وعَجُزًا) ، وأن تكون الألفاظ من البيئة ، شريطة أن تكون أيضا - فى استخدامها -  بسيطة وموحية  وعميقة المعنى ، لأن " فن الواو" ذو طبيعة خاصة ، ويمكننا أن نقول - فى هذا المجال ، إن قصيدة الزجل ، وقصيدة شعر العامية هما فى متناول اليد ، لِما تتمتعان به من اتّساع " قماشة" القول ، فالقصيدة قابلة للطول و للقِصَر، فى حين 

أن " فن الواو" - الذى كل مربع فيه يُعتبر قصيدة - لا يستطيعه إلا الذين لهم قدرة خاصة على التجريد ، والذين يمتلكون ثروة لغوية  شعبية  هائلة ، تحمل سِمة وطبيعة البيئة الشعبية ، فهو فن  لا يحتمل الترهّل ، أو إقحام الألفاظ غير الموحية ، وذلك لطبيعته الخاصة جدا ، فالمربع الواحد يجب أن يعبر عن قضية كاملة الأطراف ، وشديدة التركيز ، ومصوغة صياغة عالية الجودة، وقد تكون القوافى محلاّة بالجناس اللغوى ، وتلك مشكلة 

لغوية أخرى …

كما يجب أن يكون مبدع "فن الواو" عميق التجربة ، حتى ينجو من الثرثرة السطحية الفجّة …!

     **** 

مثلما أن " فن الواو"  هو أحد الفنون القولية الشعبية ( أى الملحونة ) ، مثله مثل الزجل تماما ، ولكن كل ما قيل فى أغراضه المتنوعة كان اسمه من "فن الواو " ، فى حين أن الزجل  (الذى اعتُبِر تطويرًا لفن الموشحات) قسّمه مبتدعوه إلى أربعة أقسام ، يُفرّق بينها بمضمونها …

فلفظ الزجل يتضمن الغزل والنسيب  والخمرىّ والزهرىّ ، أما ما يتضمن منه الهزل والخلاعة فأسمَوْه البُلّيْق ، و أما ما يتضمن الهجاء والثلْـب فأسموْه القرقىّ ، و لقد خصّوا ما يتضمن المواعظ والحِكَم منه  باسم المُكَـفّر …

 ولقد أطلق أهل الصناعة على كل ما أُعرب  بعضُ ألفاظه - من هذه الفنون - اسم " المزنّم " ، والمزنّم  أو الزّنيم هو الهجّن أو الهجين ، ومعناه  الملحق بغير أهله ، فهنا ، هو الملحق بالفصحى  وليس منها ، والملحق بالزجل وليس منه ، (وكثيرٌ مما غنّـته أم كلثوم من عامّيات أحمد رامى ، كان من النوع المزنّم ، وكذلك فى أشعار فؤاد حداد العامية نجده يقول " إن الفجر لمن صلاّه " فى أغنية الأرض بتتكلم عربى ، وهى جملة من الفصحى ، لفظا ومعنى) …!

   وفن الواو هو  وفن الموال لهما نفس اللغة الزجلية . .  وكما أن المربّع - عمومًا - يُنسب ابتداعه إلى "ابن قزمان" ، المولود فى قُرطُبة بالأندلس ، فالموّال الرباعى رأى البعض أن ينسب  نشأته إلى البغاددة ( أى أهل بغداد ) ، وبعضهم ينسبونه إلى أهل " واسط" - و هى المدينة التى أنشأها الحجاج عامل بنى أميّة على العراق  سنة 82 هـ ، كما ورد فى كتاب " المُرْخَص الغالى" لصفىّ الدين الحِلّى - ويُقال إن صفىّ الدين الحِلّى هو الذى أدخل الموال الرباعى ( أو البغدادى ) إلى مصر - وأن مصر منذ استلمت صيغة الموال من بغداد ، صبغته بالروح المصرية ، كما خلّصته من  عيب التزنيم أو التهجين … !

و الفنون (الواو  والموّال والزجل) ، كلها تصاغ بلغة الزجل ، أى اللغة الملحونة ( أو ما نطلق عليها نحن اسم اللهجة الشعبية ) ، أقول ذلك لأن أهل الأندلس كانوا يطلقون على كل شعر مُعرب اسم "موشح" ، وعلى كل شعر شعبى اسم  " زجل" …

 إذن فن الزجل هو فن عريق وهو ذو شأن ، وليس كما يظن البعض أن الزجل فى مرتبة أقل من الشعر المُعرب .

*****

                                               ( يتبع 👈)

                 الشاعر / عبد الستار سليم 

                   ناقد وباحث فى التراث

           متابعة الشاعرة  / همت مصطفى 

     المستشار الاعلامى للشاعر عبد الستار سليم 

تعليقات

المشاركات الشائعة