أضواء كاشفة .. الحلقة الخامسة والأربعون
كتبت - زهره مصطفى
تباعا لما قدمناه ...
ماذا تعرف عن
" فن الواو"
……
إتْباعًا لما ذكرناه فى الحلقة السابقة عن بعض الظواهر القولية فى نصوص " فن الواو" التراثى ، والتى كان أولها وأهمها " عيوب القافية " وسُقْنا على ذلك مثالا …!
وثانيها ظاهرة التنوين بالكسر - فى التشكيل - والمثال على ذلك ورد فى المربع التراثى الذى يقول :
(عِدّنْ بعيدة مراقِيه / أرضُه حَجَر سَبْـك مُونَة
أنزل على الجِنّ اخاوِيه / و الآف اقلّع سُنونَـه)،
***
فكلمة " عِدّ " ( بكسر العين وتشديد الدال) تُطلق على البئر الذى كان - فى الزمن الماضى - مصدرًا لمياه الشّرْب ، ( و كلمة "مراقيه" فالمراقى هى فجوات فى جدران البئر، ليضع النازل إلى أسفل البئر لتنظيفها قدميه فيها ،فى النزول والصعود ، وهو ممسك الحبل الذى يسمونه "السلَبَة " ) ،
وهنا عندما أراد القوّال أن ينطق الكلمة مُنوّنة ، نَوّنَها بالكسْر . . وسلوكه هذا المسلك ربما لتأثره بصياغة الفصحى ، أى احتمال أن يكون ذلك على غرار الصيغة الفصيحة - حيث ورد فى شعر " امرئ القيس " حين قال -
(و لَيْلٍ كمَوْجِ البحر أرْخَى سُدولَه)، وتقديرها (ورُبّ ليلٍ ) ، والكسر هنا سببه الإضافة…
وورد أيضا فى مربع لكاتب هذه السطور يقول :
(أبدى بْصَلاتى على الزّين/ واذكُر كلامٍ طرالى
أتحَزّ فى اليدّ حزّين / ولا أعملك قَـنْطرالى )
***
فمن المفترض لكلمة " كلامٍ " الواردة بعد الفعل
"أذكر" أن تُنوّن بالفتح وليس بالكسر، لأنها وقعت مفعولاً به ، والمفعول به - فى اللغة الفصحى - حقّه النصب ، لكن القوّال الشعبى يميل إلى التنوين بالكسر ، وفى الأغلب الأعمّ ، وهو لم ينوّن بالضم ولا بالفتح ، ولكن ينوّن دائمًا بالكسر…
وثالثة هذه الظواهر القولية تأتى متمثلة فى الخلل الوزنى ، كما ورد فى المربع التراثى الذى يُنسب لابن عروس حيث يقول فيه :
(حرامى وعاصى وكدّاب / عاجِز هزيل المطايا
وتُبْت وِ رْجِعْت للباب / هيّا جزيل العطايا)
***
فالشطرة الأولى ليست على وزن بحر المجتث ، ولكنها جاءت على الوزن (فعولن فعولن فعولان ) - للمتخصصين - و هو وزن بعيد عن ( مستفعلن فاعلاتن ) ، فضلاً عن أنّ كلمة (هيّا) لم تؤدى إلى المعنى المراد ، فهو يريد أن يقول (اللهم استجب) بعد أن ذكر أنه تاب وأناب ، وجاء يطرق باب التوبة ، حيث قال (وتُبت ورْجِعت للباب ) …!
*****
القوّال الشعبى درج على أن يُدخِل حرف الجَزْم " لَمْ " على الأفعال الماضية ، علمًا بأن هذا الحرف الجازم لا يدخل - فى اللغة الفصحى - إلا على الفعل المضارع فقط .. وأيضا يُدخله على الأسماء ، بدلا من حرف النفى "لا " ، وأيضا هناك ظاهرة استخدام حرف النون الساكنة فى نهاية بعض الألفاظ ، إما بالزيادة أو بالبدل عن الألف اللينة …
ولنذكر بعض المربعات من التراث الذى اشتملت على هذه الظواهر القولية ، فنجد المربعات التراثية تقول :
(واللا الرّقاد لم تعَبْنِى / يابو العِميمَة النّضِيفَة
وانا اللى عا اهِدّ وابْنِى / وِلْدَك ما هوّاش خلِيفة )
***
" لم " الجازمة هنا دخلت على الفعل الماضى " تعبنى "
وهناك رواية أخرى تقول ( واللا الرقاد ما تعبْنى )
وكذلك نجد المربع التراثى الذى يقول :
(الليل ما هوّاش قصِير / إلاّ على اللى ينامُه
والزّول لو كان فقِير / لم حَدّ يسمع كلامُه)
***
فى عبارة ( لم حد ) فالحرف "لم " الجازمة دخلت على الاسم (حدّ) ، ولكنها هنا بمعنى " لا "، لذا فهناك رواية أخرى تقول (لا حدّ يسمع كلامُه )…
وأيضا هناك ظاهرة وضع حرف النون بدلا من حرف الألف الليّنة أحيانا ، و زيادة حرف النون لبعض الكلمات أحيانا أخرى ونجد المربع التراثى الذى يقول :
أمشِى على الشوك حَفْيان/ واضحك مع اللى جافانى
واصبر على ظلم لِـيّام / لمّنْ يتعِدِل زمانى
***
ففى اللفظ ( لمّنْ ) التى أصلها " لمّا " - وضع القوّال حرف النون الساكنة بدلًا من حرف الألف اللينة
- نلاحظ فى هذا المربع أيضا عيب التقفية ، إذ أن قافية الشطر الثلث (لـيّام ) تختلف عن قافية الشطر الأول (حفيان) فهما ليستا متفقتين - …
وهناك ظاهرة استعارة بعض الألفاظ من بيئات خارج موطن "فن الواو" ، مثل كلمة "كيف " التى أصلها فى اللغة الفصحى تستخدم للسؤال عن الحالة ، لكنها اسُتخدِمت فى اللهجة الشعبية بمعنى "مثل" أو "زى " فنجد المربع التراثى الذى يقول :
(دنيا غَرُورَة و عَقْصَة / كيف السّمَك فى المداوِر
تِدّى لْكُل زول رَقْصة / ووقت السّفَر لم تشاور)
***
فهنا استُخدِمت عبارة (كيف السمك ) بمعنى (مثل السمك) أو (زى السمك )…!
*****
( يتبع 👈 )
الشاعر / عبد الستار سليم
ناقد وباحث فى التراث
متابعة الشاعرة / همت مصطفى
المستشار الاعلامى للشاعر عبد الستار سليم
تعليقات
إرسال تعليق