أضواء كاشفة .. الحلقة الرابعة والأربعون

 


كتبت - زهره مصطفى 

هنا سلسلة نشر دراسة فن الواو  ... ولازلنا مستمرين للكشف عن جمال هذا الفن التراثى 


                    ماذا تعرف عن 

                " فن الواو" 

                     ……

" فن الواو" هو فن  يعيش فى الوجدان  المصرى ، فى قلوب وشرايين أجيال وأجيال ، فى دقة قلب ، ودمعة عين ، وخفقة ألم ، ولوعة فرحة …

ففى هذه الشطرات القصيرة  والمنسابة فى دفق موسيقى

يهدهد الأعطاف، ويملأ الوجدان بنغم شجيّ غنىّ بالمشاعر الطازجة ، والحكمة العميقة ، والتجربة الحياتية العريضة …

فمن حيث المضمون 

 فإننا لكى نفهم فن جماعة شعبية ما ، يجب أولا ، أن نفهم هذه الجماعة الشعبية صانعة هذا الفن …  ففى عهد المماليك ، الذى كان كله قسوة وغلظة  وظلماً ، كان جنوب مصر يعانى ما تعانيه الناس من وطأة هذا الظلم ، وفى مثل هذا المناخ تكثر الشكوى من الزمان ، وغدر الخلان ، كما تنزع النفس -  بطريقة أو بأخرى -  إلى الاتكاء على الحكمة ، والميل إلى الفلسفة و التصوف ، كما تبرز - أحيانًا - بعض نزعات التمرد ، فنجد من يقول  :

مسكين مِن يطبخ    الفاس 

 ويْريد   مَرَق   من  حديدُه 

مسكين  مِن يصحب الناس 

 ويْريد   مَن    لا     يريدُه

***

ونجد من يقول :

لا بِدّ مِن    يوم   معلوم 

تِتْرَدّ      فيه    المظالم 

أبيض على كل   مظلوم 

إسود على كل      ظالم

***

هذا الأسلوب فى الشكوى من الزمان وغدر الخلاّن أسلوب مصرى بحت ، ولا يمكن أن يكون - كما يرى البعض -  أنه لابن عروس  غير المصرى …!    

ونجد أيضًاأن  ابن إياس فى كتابه " بدائع الزهور" ، والأدفَوِى فى كتابه " الطالع السعيد " ،  يقولان إن ابن عروس المصرى غير ابن عروس الذى يشير إليه الزركلى فى " أعلامه" ، حيث يذكر أن هناك متصوّفًا تونسيّا هو أحمد أبو الطراير بن عروس ، المتوفى  فى القرن  الخامس عشر الميلادى 

( ت :  عام 1464 م )…

وكما وجدنا من ينكر شخصية ابن عروس المصرى ، نجد من يُرجع الشكل التربيعى إلى عهد الفراعنة ، لكننا وجدنا أن معظم المؤرخين يؤكدون أن ابن قزمان (550/480 هـ) كان أول من اشتهر بنظم المربع الزجلى فى الأندلس، وظهور الزجل بدأ  فى أواخر القرن الخامس الهجرى ،وقالو إن ابن قزمان لم يكن أول من ظهر فى الأندلس من الزجالين ، بل كان أول من عُرف منهم ، لأنه كان أول زجال استطاع أن يستأثر بإعجاب الناس ، ويقترب من مشاعرهم ، وهو  يُعدّ زعيم زجالى الأندلس وإمامهم ، حيث جعل الزجل يعبّر عن الجماهير أصدق تعبير -  بعد أن ترهّلت الموشحات وابتعدت كثيرا عن نبض الناس - ووصفوه بأنه أكبر زجال بدون منازع  على مرّ العصور ، فقد نظم زجله بطريقة سهلة و رقيقة …!

*****

قالوا  إنّ حارث الأرض ، أو ساقى الزرع ، يقوم بعمل مُضْنٍ ، ويهوّن عليه كثيرًا  الغناء ، وهو يعرف هذا، فتراه يرفع عقيرته به كيفما اتّـفق ، لا يعنيه معنىً متكامل ، أو موضوعية ، أو صورة متناسقة …

هذه كلها مستويات ليست من عمله ، فهو لا يخلق الفن ، ولكنه يتلقاه ، وهى مستويات لا تدخل فى اهتمامه أيضا ، إنه يريد أنْ يُسَرّىَ عن نفسه فقط

ونظرًا لأن ما يصل إلى الناس من نصوص يصل عن طريق الانتقال الشفاهى ، فهذا الانتقال الشفاهى - فى كثير من الأحيان - يؤدّى إلى حدوث تغيير فى النص، وهذا أمر لا مفرّ منه ، وسبب التغيير هو عدم امتلاك هؤلاء القوّالين وسيلة لتسجيل إبداعهم والاحتفاظ به ، وأيضا بُعد الزمن الذى أُبدِع فيه النص، يضاف إلى ذلك عوامل أخرى ، كالخطأ فى السماع ، و كالنسيان ، و كعدم فهم الكلمات أو عدم فهم علاقة الكلمات ببعضها البعض ،

وعادةً يتسبب فى استمرارهذه النصوص تبنى أناس آخرون  لها ، ومن ثم تصبح خاضعة لاختيار تلك الجماعة وانتخابها ، حيث تقبلها أو ترفضها ، وقد تعدّل فيها أو تضيف إليها، ولا بد - حينئذ - أن تعكس الإضافات أو التعديلات مشاعر هذه الجماعة وذوقها …

وبناءً على هذا، فالباحث فى التراث يجد بعض الظواهر القولية التى تشوّه النصوص ، فتتسبب فى اختلال الوزن أحيانا ، وفى اضطراب المعنى أحيانا أخرى ، ونسوق هنا بعض تلك الظواهر، أوّلها عيوب التقفية ، مثلما ورد  فى النص التراثى الذى  يقول :

أوصِف فى زينة الطول /  أُم  يَـدّ  مَلْـو السّـوارة 

عليها  خَرْطة  بخرْطوم / قليل وَصْفَها فى العذارَى

***

فهنا نجد أن الشطر الثالث قافيته (بخرطوم ) خالفت قافية الشطرالأول (الطول ) ، وكما جاء فى قول بيرم التونسى :

إن كنت تُطلب رضا الله / يجعل لك الناس عبيدك 

وان كنت تُطلب رضا الناس / أقلّهم  يبقى  سِيدك

*****

                                                    ( يتبع 👈)



             الشاعر / عبد الستار سليم 

                ناقد وباحث فى التراث

        متابعة الشاعرة  / همت مصطفى 

  المستشار الاعلامى للشاعر عبد الستار سليم 

تعليقات

المشاركات الشائعة