أضواء كاشفة .. الحلقة السادسة والأربعون

 


كتبت - زهره مصطفى 

يزداد الجمال جمالا  ..  معا نستمتع بالحديث عن فن التراث ؛  والمتابعة الجميله الشاعرة / 

همت مصطفى  مراسلتنا بما قاله الباحث  /

 عبد الستار سليم 

                      ماذا تعرف عن 

                " فن الواو" 

                     ……


سألنى بعضهم عن أصل الفنون القولية المختلفة ، وسبب نشأتها ، وأضاف : إننا دائما ما نقول إن هناك رعيل من القوالين لهذه الفنون ولكن أحدا لم يقل لنا من هم ، وفى هذه الحلقة نحاول الإجابة عن هذا التساؤل المشروع ، بل والذى يدور فى رأس أى مبدع أو متلقٍّ  يهمه هذا الشأن من تتبع الفن ، والقوالين الذى ارتبط اسمهم بهذه الفنون ، نقول :

نحن نعلم أن الشعر العربى منذ نشأته اعتمد على الوزن والقافية ، أما الوزن فهو النسق الموسيقى الذى يميّز الشعر عن النثر، وأما القافية فهى تشابه أواخر الأبيات الشعرية للقصيدة العربية القديمة …

وبعد أن اختلط العرب بغيرهم من الأجناس  البشرية ، وذلك بهد الفتوحات العربية لكثير من بلدان العالم ، كان لا بدأن تظهر أنواع أخرى من فنون القول ، منها على سبيل المثال : الموشّح ، والموّال - بأشكاله المتعددة - والرباعى - أو الدوبيت الفارسى - والزجل ، وغيرها 

ولقد تولد من الموال شكل يختلف عن الموال فى نسقه الموسيقى ، ألا وهو " فن الواو" ، فنحن نعلم أن النسق الموسيقى للموال هو بحر البسيط ، الذى يتكون موسيقيا من التفعيلات ( مستفعلُن فاعلُن مستفعلُن فعْلُن ) والذى تكتب أغصانه فى شكل رأسى ، والمثال  على ذلك ، الموال الذى يقول :

واقف على الشّطّ باصْطاد بَطّ و نَعايم 

صادْنى غزال زين خُدودُه حُمْر  و نعايم

من أصل عالى رِبِى  فى خير  و  نعايم  

قلبى غِرِق فى هواه يابُوى  وانا   عايم 

***

هذا هو النسق الموسيقى للموال، وأما النسق الموسيقى لـ " فن الواو " فهو بحر المجتثّ ، وبحر المجتثّ كما نعلم  لا يجيء إلا مجزوءا ، أى على وزن (مستفعلُن فاعلاتُن ) ،

ومثالُه :

(مالُه الهوَى زاد  وَسْمِى / مِن يوم بعادْهُم بدالى 

سَمّتْ ولَدْها على اسْمِى / خايف  تِحِبّه   بدالى )

***

ولقد ارتبط هذا اللون من القول بشاعر قنائى هو "ابن عروس " كأحد الفرسان الأفذاذ الذين وصلوا بهذا الفن إلى مرحلة النضج الفنى ، بالرغم من أن ابن عروس هذا كان أمّيّا - لا يقرأ  ولا يكتب -  وابن عروس وُلد ومات فى صعيد مصر ، فى عهد المماليك ، ذلك العهد الذى كان كله ظلما، وجوْرا، وغِلظة …!

****

السّمَة المشتركة بين فن الموال و " فن الواو" هى ظاهرة الجناس اللغوى ( التام أو الناقص )، فلقد دَرَج أهل الصناعة على تشبيه أى قول مشتمل على جناسات ، بأن به رائحة الموال …!

وهناك بعض المهتمين بالفنون القولية ، لا يحبّون إطلاق اسم " فن الواو" على المربع إذا خلا من الجناسات التامة والذى يُسمّى أحيانا  بالمربع المغلق - أى الذى تحتاج قوافيه إلى تظهير أو توضيح لمعانى الكلمات المتجانسة فى القوافى -  

فمثلا المربع التراثى الذى يقول :

مَسْكين مِن يطبخ الفاس/ ويْريد مَرَق مِن  حديدُه 

مَسْكين مِن يصحَب الناس/ ويْريد  مَن لا  يريدُه

***

لا يدرجونه تحت مسمّى فن الواو بل يسمّونه مربع  "وخلاص " ، وهم يغفلون أن القوافى ، مثلما هى ليست شرطا لنفْى تسمية "الموال" على الموال مفتوح القوافى فكذلك - من وجهة نظرى الشخصية على الأقل - يجب ألا تكون القوفى المفتوحة سببا فى أن نسحب تسمية " فن الواو " من المربعات التى تخلو من الجناسات التامة ، لأن فن " الواو " له سمات  أوسع من أن نحصرها فى  القوافى المغلقة ، لأن  " فن الواو " - فى تعريفه - هو وعاء للحكمة ، وتلخيص للمعانى الكبيرة  ذات الطابع الفلسفى  فى الموروث ، ولغته هى لغة شاعرة بالدرجة الأولى ، وهى بسيطة وعميقة  وتوحى بالسهولة ( مما يُطمع فيها غير الموهوبين) فتعابيره مكثّفة المعانى ، ومحمّلة بأبعد من ألفاظها، ولغة "فن الواو" تحتاج إلى وَعْى كبير بالفن، فهى تحتاج إلى إدراك كامل ، وبصيرة نافذة، خصوصا إذا قيلت وسط جمهور قد تربّى على المربع ، وأدمن لعبته الفنية ، كماأن استخدم " فن الواو" فى الألغاز والأحاجى ، للتسلية  وشَحْذ القرائح الذهنية ، وتحدّى القدرات العقلية فى مجالس السّمَر، كما أن بعض المربعات الواوية صارت كالمثل السائر الذى يُستشهد به فى المواقف  المماثلة لما قيلت فيه ، ليس لأنها- فقط - تبنّت مفاهيم بسطاء أهل الريف فحسْب، بل ربما لأنها لجأت -إلى جانب ذلك - إلى استخدام الشكل البسيط المُحكم الذى ابتعد- فى كثير من الأحيان - عن جماليات الشعر العربى فى بديعها وبيانها …!

كما أن المربع فى فن الواو يكون محكما ، فيجيء بمثابة ومْضَة متألقة ، تكمن قيمته فى الاختزال والاختصار، و قلة الحجم ، مع ضخامة التجربة ، وتعدد الإيحاءات …!

*****

                                                ( يتبع 👈)



            الشاعر / عبد الستار سليم 

              ناقد وباحث فى التراث 

        متابعة الشاعرة  / همت مصطفى 

  المستشار الاعلامى للشاعر عبد الستار سليم 



تعليقات

المشاركات الشائعة