"الصيام وحفظ الصحة البدنية"

 


كتب _ فايز الصياد عضو لجنة الفتوى بالأزهر الشريف 

يقول الإمام عبد الحميد بن باديس رحمه الله تعالى:

(يتوقف هذا البدن وصلاحه على الغذاء، وقد جعل الله فيه وعاءً، وأي وعاء، وهو المعدة، مخزن الغذاء وبيت الداء، وعلى حفط نظام هذا الوعاء تترتب الصحةُ والمرض والسقم والشفاء.

فإذا ملأ ابنُ آدم بطنَه كان عليه شر وعاء، وانبعثت منه شرُّ الأدواء: أسقام للبدن وأثقال على الروح وظلمات للعقل، فانقلب على الإنسان مع انتفاع به إلى أصعب الشر وأقسى البلاء.

وإذا اقتصر على أكلات تقيم الصلب وتمسك البدن حصل من البدن على العمل، وسلم من آلام المرض، ونَعِمَ بالعافية، وكان انتفاعه بالآلة البدنية خالصا من شوائب الضرر.

واذا غلبته الشهوة، وكان- لا محالة- منقادا للذة، فليقف دون الشبع، ولا يملأ كل الملء المعدةَ حتى لا تثقل حركتُها في الهضم، وحتى لا تنتفخ في البطن فتسد مجاري النفس، وبذلك يكون قد عدل بين أصول الحياة البدنية الثلاث: طعامه وشرابه ونفسه، فأعطى لكل واحد الثلث من بطنه.

غير أن الإنسان إذا كان هكذا تغلبه الشهوة، وتقوده اللذة، فإنه بمظنة أن يتجاوز - ولو في بعض الأحيان - العدل إلى الامتلاء. فشرع له الصوم ليقاوم شر ذلك بما فيه من راحة للمعدة ونقاء، وتربية على امتلاك زمام نفسه عن الشهوات واللذات، وعلى استطاعة حملها على الجوع والعطش عند الاقتضاء، هذا للمعتدل، وللمالئ للبطن الملوك للشهوة بالأحرى والأولى، اما ذاك المقتصر على الأكلات فهو له زيادة في القوة ورسوخ لما تمكن منه من العادة المشروعة الحسنة.

فالصوم ضرورة لنظام الغذاء، وحفظ الصحة البدنية، وعون للإنسان على حسن استعماله لآلته الترابية الأرضية للترقي إلى آفاقه الروحية النورانية وكمالاته العلوية.

فالحمد لله الذي شرع لنا الصيام، وفرض علينا رمضان، ووفقنا إلى القيام به في كل عام. نسأله المزيد إنه الحميد المجيد).

تعليقات

المشاركات الشائعة