أضواء كاشفة .. الحلقة التاسعة والخمسين

 


كتبت - زهره مصطفى 

تباعا لما سبق نشره .. 


                  ماذاذ تعرف عن 

               "فن الواو " 

                     ……


    فن العديد ، فن متنوّع الأغراض والمضامين ، ولذلك فهو يعتبر بحرًا هادرًا يموج  بالنصوص الرثائية ، لا شاطئ له ، إذ أن المرثيات تتنوّع بتنوّع الميت ، وهذا ملمح من أهم الملامح وأكثرها قُربًا من خلجات النفس البشرية ، فالرثاء الخاص بالميت الرجل له نصوصه ، و الخاص بالمرأة الميتة له نصوصه ، وكذلك يكون لكل من 

( الطفل ، والشاب ، والعجوز ، والطفلة ، والشابة ، والعجوز ) ، وكذلك من مات فجأة بدون مرض ، ومن مات بسبب المرض ، ومن مات غريبا عن دياره ومن مات بين أهله، ومن مات قتيلا ، ومن مات غريقا ، ومن مات محروقا ، و، و، إلى آخره .!

فلكل حالة لها "عديدها "الخاص بها  …!

ومن العديد على الذى مات شابّاً ، وهو فى الغُربة - الغُربة هنا هى الوجه البحرى وهو من الصعيد  - عدّودة تشبّه الشاب بالقنديل المنوّر ، تقول :

قنديل  منوّر   وانْطفَا    ضَيّـه

سوق البحيرة  ما التقاش  زَيّـه

قنديل  منوّر  وانطفَا      نورُه 

سوق البحيرة ما التقاش غيرُه

*****

و نجد كلمة " الكاس" تتردد كثيرًا  فى العدودة ، وهى تنسحب دائما على " كاس" المُرّ - أو " كاس" المرار - تقول العدّودة :

أجيبك منين  يا شاب    يا مِتْعاز 

وحياة شبابك شاربة عليك الكاس 

تقصد أنها شاربة عليه" كاس" المرار والحنْضَل وقد  تقال العبارة بشكل آخر ( الزمان زقانى الكاس )

وهذا المعنى مازال مطروقا ، فهو يقال إلى الآن ، ففى تِـتْـر  النهاية لمسلسل " الزوجة الثانية " - من إخراج خيرى بشارة - نجد الشاعر يقول فى تصنيفه لشرائح المجتمع فى الزمان المتفلب  ، إذ هناك الشريحة المطحونة ، والشريحة الأخرى المنعّمة   :

ناح الحمام بغرام  ناسُه 

 اللى عِلُوا  واللى انْداسُوا 

 واللى كَوَاهم    ويل الليل 

 واللى بَقُم   من  حُرّاسُه

***

حال الزمان عُمرُه ما بيدوم 

هلافيت تنام طواغيت بتقوم 

و قْلوب  بتْئنّ    قلوب بتْلوم 

وكلّ   حَيّ    ولُه     كاسُه 

***

والشاعر هنا يشير إلى أن كل حى من البشر المطحونين 

 وله " كاس" مُرّ- أو " كاس" مرار شكل - يشربه ..!

*****

من " فن الواو"، الذى يتماس مع العدودة فى غرضها الأبرز وهو إهاجتها للبكاء والشجن ، فإن كاتب هذه السطور، قد طوّع "فن الواو" ، لهذا الغرض - إهاجة البكاء والشجَن فيمايُسمّى ببكائيات "فن الواو" - فقد ورد هذا النوع من المربعات فى ديوانه (واو .. عبد الستار سليم)، حول هذه الغرض ، الذى يعتبر من الأغراض التى حاول كاتب هذه السطور أن يُطَوّع "فن الواو" لها لتكون غرضا جديداً ، يُضاف إلى الأغراض التى استطاع " فن الواو" أن يستوعبها ، مثل الألغاز والأحاجى ، ومثل استيعابه للتدفق الملحمى ، يقول كاتب هذه السطور فى مربعاته البكائية من "فن الواو" :

يا  بيوت  مهدود   عَتَبْها  /  والقِلّ  كَتّف   يَديها

وانْ جاها ضيفِ وْ  عاتَبْها / تِمْلا دموعها  عِنِيها 

***

كان بيت عالى وليه باب/  عا البُعد تِقْدَر تشوفُه

واليوم وشّه اتْمَلَا  هْباب/ ضَلّم    وقَلّت  ضيوفُه

***

يا عين   قِلّى  ما  تِنْعيش / كتْم المواجِع  عِـبادة 

دانْ خِلْصوا لِيّام ميتانْعيش / ربّك يلاطِف عِـبادَه 

***

يا عين   قِلّى   المدامِع/  كُتْر البُكا  مالُـه عازَة

دا القلب بالحِزْن   دامِع/ والموت   مالُـه  أجازة 

***

وهو ما يتماسّ مع العدّودة التى تتناول البكاء على فعل الزمان …!

 فعلى سبيل المثال ، هناك عدّودة على لسان من مات غريبا - وكان  ثَريّا يمتلك مَدْ فنًا واسعا فى بلده - والعدّودة تقول :

بيتى  كبير وْ  تُرْبِتى  فدّان  

ليه اتوعَدْنا  بْدَفْنِة الإحسان  

بيتى كبير وْ  تربتى    مَلَقَة 

ليه اتْوَعَدْنا  بْدَفْنِة   الصّدَقَة

***

نلاحظ أن " فن الواو"  استطاع أن يجارِى العدّودة فى إهاجته  للحزن والشجن ، ولكن لـ "فن الواو" قالبه وبناؤه المعمارى المعروف ، فى حين أن العدّودة لها قالبهاالآخر المختلف ، من حيث البحر الشعرى، والصياغة ، و طريقة التقفية ، فهى - كما نرى - على قالب المربع ، ولكن على نظام ما يسمّى بـ" المزدوج "، بمعنى تصريع كل بيت على حدة ، أى توافق قافيتىْ الشطرين الأول و الثانى ، وتوافق قافيتىْ الشطرين الثالث و الرابع ، وهذا يخالف طريقة التقفية فى قالب "فن الواو" ..!

*****

                                                ( يتبع 👈 )



                 الشاعر/ عبد الستار سليم 

                  ناقد وباحث فى التراث

         متابعة الشاعرة  / همت مصطفى 

   المستشار الاعلامى للشاعر عبد الستار سليم 

تعليقات

المشاركات الشائعة