أضواء كاشفة .. الحلقة الثامنة والخمسين
كتبت - زهره مصطفى
ازداد الجمال فى سرد الكلام ..
ماذا تعرف عن
" فن الواو"
……
العدّودة فن شعرى شعبى شديد الخصوصية ، وهى فن أصيل مبنًى ومعنًى ودلالة ، وتُعدّ جزءًا من الموروث الشفهى ، وهو إبداع نسائى خالص
( وهو لا يتم إنشاده فى المحافل مثل الشعر ، ولكن تغنّيه النساء فى الجنائز مُلحّنا) ، والعِدّيد - إسمًا - هو ذكر مناقب من مات ، وتعديدها ، والعَدّودة تطلق على (الغناء الحزين) أو (البكاء الغنائى) الذى مارسته وتمارسه النساء فى المياتم ، وهو يطلق عليه أحيانا فن (الحزن الباكى) أو فن (الغناء الباكى) . . والمرأة الصعيدية دائمة الترديد لهذا اللون من ألوان الغناء ، ونشير إلى أنه غير قاصر على المياتم فقط ، بل المرأة الجنوبية أحيانا تبكى حالها هى ، بسبب ماتعانيه من ضغوط عائلية ومجتمعية خانقة ، عندما (يميل عليها الزمان) - كم يقولون - بفقد عائلها ، أو بفقد من تحب من الأهل ، كالأم ، أوالأب ، أو الأخ ، أو الأخت أو الابن ، أو البنت ، فعندما تخلو إلى نفسها وتتذكر ذلك ، أو تتذكر سوء حالها ، تردد ما تحفظ من هذا الفن ، حتى وهى تطبخ أوتخبز ، او" تنقّى الغلّة "، أو وهى جالسة على عتبة دارها ، تمسك بعود صغير وتظل تخطط فى التراب أمامها ، وتردد هذا الغناء :
(قالوا شَقِيّة قُلت من يومى
قسَموا النوايب طِلِع الكبير كومى)
أو تتذكر ابنها الغائب ، الذى " بَحّر" - أى اتجه إلى الوجه البحرى بحثًا عن الرزق - وحيث لا تكون وسيلة الاتصال إلا الخطابات (التى حين تجئ ، يأتى بها ساعى البريد فى القرية ، ويوزّعها على أصحابها) ، فتقول :
(بَحَرى البلد ساعى معاه ورَقَة
يا واد سلام ولاّ خَبَر غَرَبَة
بحرى البلد ساعى معاهِ جَوَاب
يا واد سلام ولاّ خَبَر غِيّاب )
وكلمة " خبَر " هنا ، المقصود بها "خبر الموت " ،
فهم يقولون عندما يأتى نَعْى من فى الغُربة،
( جا خبرُه ). …!
والعديد يعتمد على المقطوعة التى تتكون من بيتين شعريين يتضمنان أربع شطرات ، مثل " فن الواو" تماما ،
وكذلك يحاول العديدأن يعتمد على القافية ، ولكن ضعف ثقافة المعدّدات - فيما يبدو- لم يُتِح لهُنّ تحقيق التزام القافية ، فيكتفين - أحيانا- بالتقارب والتوافق النغمى ، مثل (ورَقة) و(غرَبة ) اللتيْن وردتا فى المثال الذى سُقناه …!
*****
والعديد يوصف أحيانا بأنه أصوات صاخبة حزينة أشدّ الحزن ، مثيرة للحزن أشد الإثارة ، محرّمة فى الدين أشدّ التحريم ، لكنك إذا استمعت إليه وأطلت الاستماع ، سوف تجد نفسك غارقا فى أحزانه مع الغارقين من أفراد أسرة الميت …
كما أن العديد فيه صدق العاطفة وروعةالتصوير والتجسيد للمشاعر …!
والعديد - بخلاف فن الواو - يتكون من مقطوعات ، فالمقطوعة بيتان - وقد تكون ثلاثة أبيات - ولكن البيت الثانى هو تكرار للأول ، ولا يختلف عنه إلا فى نهاية الشطرات ، حيث تختلف التقفية فقط …!
فعلى سبيل المثال ، ما قيل فى رحيل رب البيت، حيث تتفجّع عليه زوجته بترديد كلمة يا "سبْعى" ، أو، يا "جمَلى" تقول العدّودة فى هذا الشأن :
حُطّوا سِلاح السّبْع فوق الباب
لاجْل فْ غِيابُه يحسِبولُه حْساب
حُطوا سِلاح السّبْع عا العتَبَة
لاجْل فْ غيابَه يحسِبوا حَسَبَه
***
ومثل الذى قيل على لسان ابنة رجل خرج من بيته ووافته المنية ، فصوّرت العدّودة الحالة هكذا :
أبويا راح السّوق يتسوّق
لَيّل عليه الليل و اتْعَوّق
أبويا راح السوق يكْسينى
ليّل عليه الليل وِ نْسِينى
***
ومثل الذى قيل على لسان امرأة تلمح بوسطجى القرية ، الذى يوزع الجوابات على أصحابها ، فتقول. العدّودة :
بَحَرى البلَد ساعى معاه ورَقَة
يا واد سَلام ولاّ خَبَر غَرَبَة
بحرى البَلَد ساعى معاهِ جَوَاب
يا واد سلام ولاّ خَبَر غِيّاب
***
وقد تخصصت فيه النساء ، لأن النساء - عادة -
أيقظ شعوراً بالفقد من الرجال ، فالمرأة كائن شديد الرقة ، والنائحة تقود فريقا من البكّاءات - والمتباكيات أيضا - على ضبط أدائهن ، والبكّاءات فى الميتم لسن دائما يبكين على فقيد الميتم ، بل فى الأغلب الأعم كل نائحة ( تبكى بكاها) - كما يقولون - أى هى تجد فى الجنازة أو الميتم فرصة سانحة لتذكّر حالها وهمومها ، فالعدّودة عادة هى مثير قوى للشجن
*****
( يتبع 👈)
الشاعر/ عبد الستار سليم
ناقد وباحث ف التراث
متابعة الشاعرة / همت مصطفى
المستشار الاعلامى للشاعر عبد الستار سليم
تعليقات
إرسال تعليق