كيف قهرنا المستحيل

 


كتب - جمال النجار 

حدث فى أكتوبر 1973 ( 5 )

كيف قهرنا المستحيل

( لقد قاتل رجال الكوماندوز المصريين على المحور الساحلى بكل بسالة وكأنهم قد اقسموا على أن يدفعوا أرواحهم ثمنا لمنعنا من الوصول لقناه السويس 

الجنرال / أدان  قائد الفرقة 162 مدرعة إسرائيليه )

تحدثنا أمس عن إجماع كل الخبراء العسكريين فى العالم على استحالة نجاح مصر فى عبور قناة السويس وسنرى اليوم كيف قهر المصريين المستحيل وعبروا وانتصروا

كان أول واكبر التحديات أمام القيادة المصرية هو كيف يتحدى المقاتل المصرى المقاتل الاسرائيلى السوبرمان الذى لا يمكن قهره كما أوضحنا

كيف يتم كسر ذلك الحاجز النفسى الذى نشأ نتيجة هزيمة يونيو 1967 داخل المصريين والعالم بأكمله يتحدث عن الجندى الاسرائيلى السوبرمان الذى لا يقهر ( وقد كان كذلك فعلا كما أوضحت )

لقد بذل رجال العلميات النفسية الكثير من الجهد حتى توصلوا إلى نقطة ضعف ذلك المقاتل الاسرائيلى السوبرمان الذى لا يقهر 

فقد اكتشفوا انه رغم كل عوامل قوته إلا انه يحب الحياة أكثر من اى شيء آخر 

اى انه إذا وضع فى لحظة الاختيار بين أن يضحى بحياته لإنقاذ دولة إسرائيل 

أو يعيش وتتعرض دولة إسرائيل للتهديد والخطر 

فانه رغم كل شيء 

لا يتردد فى اختيار أن يعيش ولتذهب دولة إسرائيل بكل من فيها إلى الجحيم

وكان السؤال من يستطيع أن يضغط على ذلك المقاتل السوبرمان ليوصله إلى هذه المرحلة

وجاءت الإجابة من التراث الحضارى للشخصية المصرية ذلك التراث الذى يرى الحياة مجرد محطة فى رحله الروح فالموت ليس أخر المطاف فهناك الحياة الاخرى ( وهى حياه أكثر بهجة وسعادة لمن يحسن العمل فى الدنيا والدفاع عن الوطن دائما وأبدا كان المصريين يرونه أفضل عمل فى الدنيا ) التى عرفها المصريين من قديم الأزل وسجلوها على جدران معابدهم وجاءت العقائد الدينية لترسخها داخل الشخصية المصرية  

فأقصى ما يستطيعه ذلك المقاتل السوبرمان الذى لا يقهر هو أن يقتل عدوه اى يحول المصرى إلى شهيد والاستشهاد فى سبيل الله هو أجمل أحلام اى مصرى أيا كانت ديانته لمكانة الشهداء العظيمة فى الأديان كلها وفى تراث المصريين 

وهكذا تم زرع هذه العقيدة فى نفوس المقاتلين المصريين وأصبح على المقاتل الاسرائيلى أن يواجه مقاتل مصري يرى أن الموت فى القتال دفاعا عن الوطن أجمل وأغلى أمانيه 

من يستطيع أن يواجه مقاتل يرى الموت أغلى أمانيه 

وجاءت عقيدة المصريين فى الثأر واعتبارهم التفريط فى الثأر عار 

وكان لمصر ثأر كبير مع إسرائيل 

وأصبح على السوبرمان الذى لا يقهر أن يواجه مقاتل مصري تم أعداده جيدا للقتال و له ثأر كبير معه وفى نفس الوقت يرغب فى الاستشهاد أكثر من رغبته فى الحياة 

وحسمت القضية كما سنرى فى صفحتنا نبضات من قلب أكتوبر

وجاءت عمليات عبور القناة أثناء حرب الاستنزاف والتى كان نجمها الأبرز البطل ( إبراهيم الرفاعى ورجال المجموعة 39 قتال مجموعه العلميات الخاصة بالمخابرت الحربية  ) حيث كان يصطحب معه فى كل عمليه خلف خطوط القوات الاسرائيليه بعض الضباط والجنود من باقى وحدات الجيش المصرى ليواجهوا المقاتل الاسرائيلى فى معركة أعدت لها القيادة المصرية بمنتهى الدقة ثم يرجع هؤلاء الضباط والجنود لزملائهم فى باقى وحدات الجيش ويرون لهم كيف واجهوا جنود الجيش الاسرائيلى واشتبكوا معهم وقتلوهم واحضروا أسرى منهم

وأصبح رجال الجيش المصرى يتسابقون جميعا للمشاركة فى تلك العلميات 

وهكذا سقط الحاجز النفسى واسترد أبناء مصر ثقتهم فى أنفسهم وفى قدرتهم على القتال وتحقيق النصر ( تحيه شكر وتقدير لرجال العمليات النفسية فى الجيش المصرى هؤلاء الجنود المجهولين الذين لا يعرفهم احد ولا يشعر بهم احد إلا الله وهذا يكفيهم ) 

تم اختيار توقيت عبور قناة السويس بعد عمل دراسة علمية جادة بحيث تم اختيار توقيت العبور لاستغلال أعلى مد لفرد الكباري وتحاشى تغير اتجاه التيار فى القناة وتم التخطيط لتدمير حافة القناة الصلبة بضربها بمدفعية الضرب المباشر أثناء التمهيد النيرانى فى بداية المعركة للتمكن من فرد الكبارى عليها 

تم التخطيط لفتح ثغرات فى حقول الألغام على الساتر الترابى وحقول الأسلاك الشائكة بضربها باسلحه الضرب المباشر ( المدفعية والهاونات ) ضمن التمهيد النيرانى 

تم اختيار مجموعات من الجنود الذين يتميزون بالبنيان القوى والقوه العضلية وتم تدريبهم على تسلق الساتر الترابى بأيديهم وأقدامهم وهم يحملون سلالم من الحبال حتى يصعدوا أعلى الستر ويفردونها عليه ليصعد عليها بقى الجنود 

تم ابتكار طريقة فتح الثغرات فى الساتر الترابى باستخدام ضغط المياه ( صاحب الفكرة هو المقدم مهندس / باقى يوسف ذكى ) وكان إحضار طلمبات المياه اللازمة من انجلترا وألمانيا الغربية دون أن يعرف احد الهدف من استيراد طلمبات بهذه القوة من ابرع أعمال المخابرات المصرية 

تم عمل خطة خداع تكتيكي وخطة خداع استراتيجي لخداع جميع أجهزة المخابرات فى العالم وعلى رأسها المخابرات الأمريكية والإسرائيلية لضمان تحقيق عنصر المفاجأة وتعتبر هذه الخطة معركة منفصلة انتصر فيها العقل والذكاء والعبقرية المصرية على العالم كله بكل عقوله وأجهزته العلمية وأقماره الصناعية مما أدى إلى إقالة مدير المخابرات الإسرائيلية ومحاكمة المسئول عن قسم مصر بها وإقالة العديد من المسئولين فى المخابرات الأمريكية الذين فشلوا فى توقع الهجوم المصري

كانت القيادة المصرية تدرك أن تدمير حصون خط بارليف يحتاج إلى قنابل ذريه ولما كانت مصر لا تمتلك السلاح الذرى

 فقد تم التخطيط لتخصيص مجموعات من القوات المصرية تكون مهمتها  الاستيلاء على هذه الحصون بالأفراد ليكون المقاتل المصرى بديلا للسلاح الذرى 

وكانت ملاحم أسطوريه من البطولة والعبقرية اثبت أبناء مصر فيها أنهم فعلا بديل عبقرى للسلاح الذرى 

على أن تندفع باقى القوات من الفواصل بين تلك الحصون لتدمير القوات الاسرئيليه فى العمق وتحرير الأرض

أنها عبقرية التخطيط  

تم دفع عناصر من الضفادع البشرية المصرية ليلة 5/6 أكتوبر للضفة الشرقية لسد خراطيم النابالم تحت الماء وتدمير المحابس الخاصة بها وقطع الخراطيم الموصلة وقامت هذه العناصر بالمبيت فى الشرق للتأكد من عدم قدرة إسرائيل على استخدام النابالم وكان أول أسير اسرائيلى هو المهندس ألبرت رحاميم الذى أرسلته القيادة الإسرائيلية للتأكد من صلاحية محابس النابالم

تم التخطيط لعدم مواجهة الطيران الاسرائيلى الذى يحوى أحدث الطائرات الأمريكية بالطيران المصرى بل أن يتم التصدي له بواسطة حائط الصواريخ المصرى المضاد للطائرات والذى نجح فى مهمته تماما

على أن تقوم القوات الجوية المصرية بالمشاركة فى بداية الحرب بطلعه جوية قويه ثم تصبح مهمتها حماية العمق المصرى والتصدى للطيران الاسرائيلى ومنعه من قصف العمق المصرى ودعم أعمال قتال القوات البرية إذا طلب منها ذلك وهى مهمة تتناسب مع قدراتها وإمكانياتها وقد نجح أبطال القوات الجوية فى تنفيذ تلك المهمة بنجاح تام 

كانت تواجه القيادة المصرية مشكله قويه وهى تأخير الفرق المدرعة الاسرائيليه القادمة من بير سبع حتى يتم فرد الكبارى وعبور الدبابات المصرية لتواجه الدبابات الاسرائيليه ولا تترك قوات المشاة المصرية فريسة سهله للدبابات الاسرائيليه

ولا توجد سوى وسيلتين لذلك طبقا للعلوم والخبرات العسكريه

أن تستخدم مصر الطيران فى قصف تلك الفرق المدرعة أثناء تقدمها من عمق سيناء لتأخيرها 

ا وان يتم ضرب تلك الفرق بالمدفعية البعيدة المدى لتأخيرها 

ولكن

كان تفوق سلاح الطيران الاسرائيلى يقف عائقا فالطيران المصرى سيتم تدميره ولن يتمكن من تنفيذ المهمة نتيجة التفوق النوعى للطيران الاسرائيلى ( كان فارق التكنولوجيا بين الطيران المصرى والطيران الاسرائيلى عشر سنوات لصالح الطيران الاسرائيلى )

ومصر لا تمتلك مدفعيه بعيده المدى يصل مداها للمسافة المطلوبة 

وهنا تبرز عبقرية الشخصية المصرية لتكون هى الحل للقيادة المصرية

فتم التخطيط للاعتماد على رجال الصاعقة المصريين وحدهم لأعاقه تقدم الفرق المدرعة الاسرائيليه فى عمق سيناء

وهو تصرف يتعارض مع كل قوانين القتال والخبرات العسكرية فى العالم

فقدرات قوات الصاعقة محدودة جدا من حيث التسليح ولا تستطيع مواجهه الفرق المدرعة

مهمة مستحيلة التنفيذ طبقا للعلوم العسكرية

ولكن المصريين فعلوها 

( تمكنت قوات الصاعقة من إغلاق مضيق سدر الجبلى تماما لمده ستة أشهر اعتبارا من مساء السادس من أكتوبر 1973  ولم تتمكن إسرائيل من استخدامه طوال أيام الحرب 

وعلى المحور الساحلى حدثت ملحمة 

النقيب / حمدى شلبى ورجاله الاسطوريه 

حيث تمكنت سريه صاعقه مصريه قوامها مائه مقاتل فقط بأسلحتهم الخفيفة من إغلاق المحور الساحلى فى وجه مجموعه العمليات الاسرائيليه المجموعة 126 المكونة من ثلاثة الويه مدرعة بقوه 300 دبابة و100 عربه مدرعة ويدعمها لواء من رجال المظلات الإسرائيليين 

ولكن حمدى شلبى تمكن فى إغلاق المحور الساحلى فى وجههم من مساء السادس من أكتوبر 1973 الى ظهر الثامن من أكتوبر 1973 وهو عمل مستحيل بكل ما تعنيه الكلمة من معنى طبقا للعلوم والخبرات العسكريه

ولكن المصريين قهروا المستحيل وفعلوها

وهو ما دعا قائد مجوعه العلميات الاسرائيليه الجنرال / أدان 

الى أن يكتب عن تلك المعركة فى مذكراته عقب الحرب قائلا

 ( لقد قاتل رجال الكوماندوز المصريين على المحور الساحلى بكل بسالة وكأنهم قد اقسموا على أن يدفعوا أرواحهم ثمنا لمنعنا من الوصول لقناه السويس )

تحيه فخر واحترام للنقيب حمدى شلبى ورجال كمين رمانه الأبطال  

تم التخطيط لاستدراج المدرعات والدبابات الإسرائيلية لتدميرها بواسطة الصواريخ والأسلحة المضادة للدبابات دون الدخول معها فى معارك دبابات كبيرة لعدم إتاحة الفرصة لها للتمتع بمميزات تفوقها

وهكذا نجح المخطط المصرى على المستوى التكتيكى

وجاء إغلاق البحر الأحمر عند باب المندب ضربة إستراتيجية لم يتوقعها الأمريكان ولا الإسرائيليين  حتى فى أسوا كوابيسهم 

فقد خاضت إسرائيل حرب يونيو 1967 بذريعة تامين الملاحة لميناء ايلات الاسرائيلى وكان الرد المصرى هو إغلاق البحر الأحمر كله عند باب المندب بالاعتماد على المعاونة اليمنية لتوفير المأوى والإمداد للقطع البحرية المصرية من مدمرات وغواصات ولنشات وشلت إسرائيل وطيرانها عاجز عن الوصول لباب المندب وبحريتها اضعف من أن تتحدى البحرية المصرية 

وكانت إشارة فى منتهى الخطورة لأمريكا وباقى العالم عن قدرة المخطط المصرى على التخطيط على المستوى الاستراتيجي

تحيه احترام وتقدير

 للرئيس البطل / محمد أنور السادت 

الذى اتخذ قرار الحرب رغم علمه باستحالة النصر ولكن ثقته فى نفسه وفى قدرات أبناء مصر جعلته يتحدى المستحيل 

وتحية إلى العبقري

 الفريق / سعد الدين الشاذلي

 رئيس أركان الجيش المصرى وصاحب الخطة ومن قام بإعداد القوات لتنفيذها ودربهم عليها وقادهم فى تنفيذها 

وتحية إلى كل من عاونه فى ذلك وعلى رأسهم المرحوم 

المشير / محمد عبد الغنى الجمسى

وتحية إلى كل أبناء مصر الذين اشتركوا فى تحرير الأرض وكتبوا بأرواحهم ودمائهم سطور ذلك النصر العبقرى وقهروا المستحيل 

نلتقى غدا مع الخطة المصرية للحرب والخطة الإسرائيلية للحرب وهدف كل من مصر وإسرائيل من خوض القتال 



تعليقات

المشاركات الشائعة