أضواء كاشفة .. الحلقة الثالثة والاربعين
كتبت - زهره مصطفى
ندعوكم لمواصلة المتابعة فى معرفة الفن الثراتى مع الباحث الشاعر / عبد الستار سليم ودراسته عن فن الواو .
ماذا تعرف عن
" فن الواو"
…………
" فن الواو" هو فن يعيش فى الوجدان المصرى ، فى قلوب وشرايين أجيال وأجيال ، فى دقة قلب ، ودمعة عين ، وخفقة ألم ، ولوعة فرحة …
ففى هذه الشطرات القصيرة والمنسابة فى دفق موسيقى
يهدهد الأعطاف، ويملأ الوجدان بنغم شجيّ غنىّ بالمشاعر الطازجة ، والحكمة العميقة ، والتجربة الحياتية
العريضة …
فمن حيث المضمون
فإننا لكى نفهم فن جماعة شعبية ما ، يجب أولا ، أن نفهم هذه الجماعة الشعبية صانعة هذا الفن … ففى عهد المماليك ، الذى كان كله قسوة وغلظة وظلماً ، كان جنوب مصر يعانى ما تعانيه الناس من وطأة هذا الظلم ، وفى مثل هذا المناخ تكثر الشكوى من الزمان ، وغدر الخلان ، كما تنزع النفس - بطريقة أو بأخرى - إلى الاتكاء على الحكمة ، والميل إلى الفلسفة و التصوف ، كما تبرز - أحيانًا - بعض نزعات التمرد ، فنجد من يقول :
مسكين مِن يطبخ الفاس
ويْريد مَرَق من حديدُه
مسكين مِن يصحب الناس
ويْريد مَن لا يريدُه
***
ونجد من يقول :
لا بِدّ مِن يوم معلوم
تِتْرَدّ فيه المظالم
أبيض على كل مظلوم
إسود على كل ظالم
***
هذا الأسلوب فى الشكوى من الزمان وغدر الخلاّن أسلوب مصرى بحت ، ولا يمكن أن يكون - كما يرى البعض - أنه لابن عروس غير المصرى …!
ونجد أيضًاأن ابن إياس فى كتابه " بدائع الزهور" ، والأدفَوِى فى كتابه " الطالع السعيد " ، يقولان إن ابن عروس المصرى غير ابن عروس الذى يشير إليه الزركلى فى " أعلامه" ، حيث يذكر أن هناك متصوّفًا تونسيّا هو أحمد أبو الطراير بن عروس ،المتوفى فى القرن الخامس عشر الميلادى
( ت : عام 1464 م )
وكما وجدنا من ينكر شخصية ابن عروس المصرى ، نجد من يُرجع الشكل التربيعى إلى عهد الفراعنة ، لكننا وجدنا أن معظم المؤرخين يؤكدون أن ابن قزمان (550 / 480 هـ) كان أول من اشتهربنظم المربع الزجلى فى الأندلس، وظهور الزجل بدأ فى أواخر القرن الخامس الهجرى ، وقالو إن ابن قزمان لم يكن أول من ظهر فى الأندلس من الزجالين ، بل كان أول من عُرف منهم ، لأنه كان أول زجال استطاع أن يستأثر بإعجاب الناس ، ويقترب من مشاعرهم ، وهو يُعدّ زعيم زجالى الأندلس وإمامهم ، حيث جعل الزجل يعبّر عن الجماهير أصدق تعبير - بعد أن ترهّلت الموشحات وابتعدت كثيرا عن نبض الناس - ووصفوه بأنه أكبر زجال بدون منازع على مرّ العصور ، فقد نظم زجله بطريقة سهلة و رقيقة …!
*****
قالوا إنّ حارث الأرض ، أو ساقى الزرع ، يقوم بعمل مُضْنٍ ، ويهوّن عليه كثيرًا الغناء ، وهو يعرف هذا، فتراه يرفع عقيرته به كيفما اتّـفق ، لا يعنيه معنىً متكامل ، أو موضوعية ، أو صورة متناسقة …
هذه كلها مستويات ليست من عمله ، فهو لا يخلق الفن ، ولكنه يتلقاه ، وهى مستويات لا تدخل فى اهتمامه أيضا ، إنه يريد أنْ يُسَرّىَ عن نفسه فقط
ونظرًا لأن ما يصل إلى الناس من نصوص يصل عن طريق الانتقال الشفاهى ، فهذا الانتقال الشفاهى - فى كثير من الأحيان - يؤدّى إلى حدوث تغيير فى النص، وهذا أمر لا مفرّ منه ، وسبب التغيير هو عدم امتلاك هؤلاء
القوّالين وسيلة لتسجيل إبداعهم والاحتفاظ به ، وأيضا بُعد الزمن الذى أُبدِع فيه النص، يضاف إلى ذلك عوامل أخرى ، كالخطأ فى السماع ، و كالنسيان ، و كعدم فهم الكلمات أو عدم فهم علاقة الكلمات ببعضها البعض ،
وعادةً يتسبب فى استمرار هذه النصوص تبنى أناس آخرون لها ، ومن ثم تصبح خاضعة لاختيار تلك الجماعة وانتخابها ، حيث تقبلها أو ترفضها ، وقد تعدّل فيها أو تضيف إليها، ولا بد - حينئذ - أن تعكس الإضافات أو التعديلات مشاعر هذه الجماعة وذوقها …
وبناءً على هذا ، فالباحث فى التراث يجد بعض الظواهر القولية التى تشوّه النصوص ، فتتسبب فى اختلال الوزن أحيانا ، وفى اضطراب المعنى أحيانا أخرى ، ونسوق هنا بعض تلك الظواهر، أوّلها عيوب التقفية ، مثلما ورد فى النص التراثى الذى يقول :
(أوصِف فى زينة الطول / أُم يَـدّ مَلْـو السّـوارة
عليها خَرْطة بخرْطوم / قليل وَصْفَها فى العذارَى)
***
فهنا نجد أن الشطر الثالث قافيته (بخرطوم ) خالفت قافية الشطرالأول (الطول ) ، وكما جاء فى قول بيرم التونسى :
إن كنت تُطلب رضا الله/ يجعل لك الناس عبيدك
وان كنت تُطلب رضا الناس / أقلّهم يبقى سِيدك
****
( يتبع 👈 )
الشاعر / عبد الستار سليم
ناقد وباحث فى التراث
متابعة الشاعرة / همت مصطفى
المستشار الاعلامى للشاعر عبد الستار سليم
تعليقات
إرسال تعليق